الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة مطبّقين مثل «كلّ ممنوع مرغوب»: التونسيون «يدمنون» الإثـــــارة والفضائح في برامج تلفزيون الواقع

نشر في  04 مارس 2015  (10:21)

أصبح المشهد الإعلامي التونسي راهنا مؤثثا في جانب كبير منه بما يسمّى ببرامج تلفزيون الواقع ولبرامج أخرى تسعى إلى تسليط الضوء على مشاكل شخصية يعتمد في طرحها على جلب الإثارة عبر التطرّق الى مواضيع جدّ خاصة وحساسة تساهم في هتك الأعراض وكشف المستور مثل فضح العلاقات الجنسية وزنا المحارم والاغتصاب الى غير ذلك..
وقد وُجهت مؤخرا العديد من الانتقادات اللاذعة لهذه النوعية من البرامج التي اعتمدت في محتواها على مواضيع لم يكن طرحها مألوفا، وذلك لهثا لتحقيق نسب مشاهدة قياسية والتمتع بالإشهار دون اعتبار للأخلاقيات المهنية والمبادئ الإنسانية التي تعتبر خطا أحمر لا يمكن تجاوزه أو خرقه.
ومتابعة لهذا الموضوع اتصلت أخبار الجمهورية بعدد من المختصين والمحللين لمعرفة قراءاتهم لأسباب إقبال التونسيين وتعطشهم لمتابعة هذا النوع من البرامج رغم انعكاساته السلبية..

هادي العلوي: برامج تعتمد على أساليب الإغراء والتحيّل

اعتبر الأستاذ والباحث في علم الاجتماع هادي علوي في حديثه لأخبار الجمهورية أن برامج تلفزيون الواقع فرضت نفسها على الرأي العام التونسي لقدرتها الكبيرة على جلب اهتمامهم وانتباههم بشكل عام، مشيرا إلى أن هذه المسالة تدخل في نطاق الطبيعة النفسية للتونسي الذي يتطلع لاكتشاف كل ما هو مثير وجالب للاهتمام.
وأضاف قائلا ان التموقع الجغرافي الاستراتيجي لتونس في «قلب العالم» ـ باعتبارها متركزة على ضفاف البحر الأبيض المتوسط المنفتح على أوروبا والعديد من المناطق الأخرى ـ تجعل من شعبها منفتحا وله دافع كبير للاكتشاف وحب الاطلاع. كما أن الضوابط الاجتماعية والأخلاقية والدينية التي وضعتها العادات والتقاليد خاصة وتربى عليها تدفعه للتعطش «للممنوع المرغوب» الذي أصبح مطروحا في هذا النوع من البرامج الذي يبحث عن الإثارة أكثر من الإفادة.
ومن جهة أخرى أكد العلوي أن هذا النوع من البرامج يعتمد على انتهاج أسلوب التحيّل على الأشخاص ـ والكلام له ـ  قصد إقناعهم بالحضور  والحديث عن تجاربهم المثيرة عن طريق إغرائهم بمساعدتهم والوقوف إلى جانبهم..

سفيان بن فرحات: أرقام قياسية في نسب المشاهدة تتحطّم معها الضوابط والأخلاقيات الإنسانية

من ناحية أخرى عبّر الصحفي والمحلل السياسي سفيان بن فرحات عن عدم اهتمامه وتحبيذه لهذا النوع من البرامج المنتشرة في العالم أجمع، مؤكدا في المقابل أن الحرية في بث هذه البرامج هي الأساس لكن الفيصل هو حرمة الأشخاص وكرامتهم التي من غير المقبول التلاعب بها وانتهاكها.
ولاحظ بن فرحات أن في طرح تلك البرامج تعمّد الاستهتار بالأخلاقيات وحرمة الأفراد، قائلا انه يتمّ في أغلب الأحيان استغلال الأشخاص الذين يتم تمريرهم في بعض الحصص والتلاعب حتى بشرفهم، مشددا على ضرورة الالتزام بأخلاقيات المهنة والأخذ بعين الاعتبار الضوابط الأخلاقية والاجتماعية خاصة وانّ الحرية لها مبدأ ثابت لا نقاش فيه..
وفي سياق متصّل تحدث الصحفي عن سعي معدّي هذه البرامج ولهثهم وراء تحقيق نسب مشاهدة عالية وقياسية قصد تحقيق غايات مادية عن طريق الإشهار والاستشهار إلى جانب الجري المحموم وراء البحث عن الإثارة دون اعتبار لأعراض الأشخاص وشرفهم. قائلا : <>أفضل أن يكون برنامجي هادفا وقيّما ويحترم أخلاقيات المهنة ومبادئها دون تحقيق نسب مشاهدة عالية على أن يحطم الرقم القياسي في المشاهدة ويحطم معه الضوابط والأخلاقيات».
وتوجه سفيان بن فرحات بنداء إلى الزملاء الإعلاميين خاصة من مقدمي هذه الأنواع من البرامج إلى ضرورة التقيد بأخلاقيات المهنة والعودة إلى ضمائرهم حتى ننأى عن الانعكاسات السلبية والكارثية وردود الفعل التراجيدية لهذه البرامج، خاصة أن اغلب الضيوف من الأطفال والنساء والطبقات الهشة.  كما أشار إلى ضرورة التوجه لإعداد برامج يكون لها الوقع الايجابي وتعود بالنفع والفائدة على مجتمعنا والتي تهم مشاغل التونسي ومشاكله الحقيقية كالتنمية والتشغيل...

أحمد الأبيض: لا للمتاجرة الأخلاقية..

أوضح  الباحث والمختصّ في المسائل النفسية والاجتماعية الدكتور أحمد الأبيض في تصريحه لأخبار الجمهورية أنّ برامج تلفزيون الواقع التي تعرض المشاكل الجنسية الحميمة لبعض الأشخاص وتتطرق لمشاكل خاصة تثير الإحراج في طرحها، هي ظاهرة  فضولية مرضية للرأي العام المشاهد الذي يتلذّذ بالتلصّص والتجسس على الآخرين من خلال كاميرا إعلام متاجر يضع ثقوبا تكشف العورات وتهتك الأعراض.
وأضاف الدكتور أن هناك رغبة وتعطشا شديدين لدى فئة كبيرة من عموم التونسيين للحديث عن الفضائح وتبادلها بينهم وهتك الأعراض والأسرار، معتبرا أنه كان من الأجدر أن يتم تناول هذه المواضيع بطريقة حرفية يتم فيها الاستنجاد بأخصائيين في عديد المجالات التي تتعلق بالقضايا الخاصة المطروحة للأشخاص المدعوين في تلك البرامج حتى تكون نموذجا للآخرين، وليس للمتاجرة الإعلامية المتمعشة من الإثارة قصد التمتع بهامش معيّن من الإشهار.

سامي براهم: الهروب من السياسة هو السبب..

أما الدكتور في علم الاجتماع سامي براهم فقد اعتبر أن الهروب من طرح المواضيع السياسية اليومية هو من بين أهم دوافع لجوء التونسي وتعطشه لمشاهدة تلك البرامج التي تطرح قضايا وهموم الناس، مشيرا إلى أن تلك النوعية من البرامج تعتمد بالأساس على الإثارة التي «تصطاد» عموم الناس  وتجلبهم.
وفي نفس السياق، اعتبر الدكتور أن برامج تلفزيون الواقع تقدم لنا ما لا نعرفه عن الواقع وكل ما هو سائد ويثير اهتمام ونقاشات الناس وزاوية اهتماماتهم، إلى جانب تحريك جانب «التلصّص» فيهم عبر معرفة الأسرار المثيرة لغيرهم.

مراد مهني: بحث عن الإثارة عبر كشف الفضائح..

بدوره تحدّث الباحث في علم الاجتماع مراد مهني عن «ميكانيكية» جذب تلك البرامج التي تعني بتسليط الضوء على مشاكل خاصة ومحرجة ومحرّمة دينيا في مجتمعاتنا المحافظة، مشيرا إلى أن الفترة الانتقالية التي يعيشها المجتمع التونسي والتي تميزت بفقدان عديد المعايير جعلته بحاجة إلى تغيير المواضيع المطروحة كالسياسة واستبدالها بمواضيع لم تكن في السابق مطروحة.
واعتبر أن تلك البرامج رغم مشابهتها وتطابقها في طبيعة ونوعية المواضيع فإنّها تختلف في طريقة طرحها، فمنها الاجتماعية ومنها السياسية التي لا ترتكز على التحاليل السياسية فحسب إنما تتعداها للتركيز على ظواهر مثيرة حتى وان كانت مطروحة سابقا مثل حصة برنامج «لمن يجرؤ فقط» للمنشط سمير الوافي التي استدعى فيها سيف الطرابلسي .
وأضاف أنه في تلك الحصة وعوض الحديث عن مسائل سياسية ولّدت الهيمنة والفساد في تلك الفترة، تم التطرّق إلى فضح العلاقات الخاصة للمخلوع، مما يؤكد البحث عن الإثارة عوض الإفادة.

اعداد: منارة تليجاني